انطلقت فعليا دينامية غير مسبوقة في قطاع النقل السككي بالمغرب، بعد أن أعطى الملك محمد السادس الضوء الأخضر، في 24 أبريل الماضي، لانطلاق أشغال المرحلة الثانية من مشروع القطار فائق السرعة، لربط القنيطرة بمراكش عبر محور يناهز 430 كيلومترا. لكن ما لا يقل أهمية عن البنية التحتية، هو ما يتم التحضير له على مستوى المعدات المتحركة، حيث باشرت المملكة واحدة من أكبر صفقات اقتناء القطارات الحديثة في تاريخها، تضم 168 وحدة متطورة.
في تفاصيل هذه القفزة النوعية، كشف المدير العام لشركة “سيانا” (الشركة المشتركة بين المكتب الوطني للسكك الحديدية وSNCF الفرنسية)، لوتشيانو فرنانديز بورجيس، أن الصفقة تم تقسيمها إلى ثلاث فئات رئيسية: 18 قطارا فائق السرعة، 40 قطارا “إنترسيتي”، و110 قطارات مخصصة للخدمات الجهوية. ويهدف هذا التوزيع إلى تحسين العرض السككي على مختلف الأصعدة، من السفر السريع بين المدن إلى النقل المحلي في التجمعات الحضرية الكبرى.
وقد تم اختيار ثلاث شركات دولية لتأمين هذا الطلب الضخم، بعد عملية انتقاء دقيقة استمرت أكثر من سنتين وشملت مراحل متعددة: إعلان نوايا في 2022، حوار تنافسي انطلق نهاية 2023، ثم مفاوضات تقنية وتجارية. وأسفر هذا المسار عن اختيار:
- شركة Alstom الفرنسية لتوريد القطارات فائقة السرعة؛
- CAF الإسبانية للقطارات المتوسطة السرعة؛
- Hyundai Rotem الكورية للقطارات الجهوية والمتعددة الاستخدام.
قطارات جديدة تخدم رؤية 2040 وتلبي احتياجات المسافرين
أحد أبرز أهداف هذا المشروع الضخم، وفق تصريحات بورجيس، هو تحرير الطاقة الاستيعابية على الخطوط الحالية،.. مما يسمح بتعزيز خدمات التنقل المحلي والإقليمي في ثلاث جهات كبرى: الرباط-سلا-القنيطرة، الدار البيضاء-سطات، ومراكش-آسفي.
وفيما يخص الجوانب التقنية، ركزت اللجنة الوطنية على معايير متعددة تتجاوز مجرد السرعة أو التصميم: الأمان، الراحة، كفاءة الطاقة، قابلية الصيانة، والقدرة الاستيعابية. وقد اختيرت القطارات وفق معيار “الأفضل من حيث الكلفة والجودة معا”،.. حيث سيتم تجهيزها بأحدث أنظمة القيادة والمراقبة، بما في ذلك نظام ERTMS الأوروبي،.. المساعدة الآلية على الكبح، عدادات ذكية للركاب، وكاميرات تفاعلية لمراقبة الحالات الطارئة.
ليس هذا فقط، فكل قطار سيوفر خدمة الأنترنت، مقاعد مزودة بمآخذ كهربائية،.. ومقاعد مريحة تلبي معايير السفر العصري. أما بالنسبة للقطارات الجهوية، فقد تم تصميمها بشكل مرن،.. لتستجيب لاستخدامات متعددة، منها الربط بالمطارات وخدمات RER داخل المدن الكبرى.
يبقى الهدف الأكبر من هذا الاستثمار الضخم هو التمهيد لرؤية استراتيجية تمتد حتى سنة 2040،.. حيث يطمح المغرب إلى بلوغ شبكة من 1500 كيلومتر من السكك فائقة السرعة،.. بما يعيد توزيع الجاذبية الاقتصادية على محاور جديدة خارج الدار البيضاء.