بين أكوام النفايات وروائح “الليكسيفيا” السامة، تنهض بوزنيقة كل صباح على مشهد بيئي مأساوي، صار مألوفا حد التعايش، ومقلقا حد الانفجار. المدينة التي كانت تعرف بنظافتها وأناقتها الشاطئية، صارت اليوم تختنق تحت وطأة الإهمال، وتئن بصمت تحت أكياس بلاستيكية متحللة، وروائح خانقة تسربت حتى إلى النوافذ المغلقة.
مرصد بوزنيقة، أحد أبرز الأصوات المدنية بالمنطقة، أطلق صرخة إنذار مدوية، وصف فيها الوضع بـ”البيئي الكارثي”. لم تكن الصياغة مجازا صحفيا، بل توصيفا دقيقا لحالة متردية يعيشها قطاع النظافة، في ظل ما اعتبره المرصد “اختلالات عميقة” و”غيابا مريبا للتفاعل الرسمي”.
تسربات الليكسيفيا، النفايات المتراكمة، الساكنة التي أجبرت على حرق الأزبال في العراء، وانتشار الحشرات والروائح. كلها ليست مشاهد من أحد أحياء الضواحي المنسية،.. بل من قلب مدينة كانت تعتبر إلى وقت قريب وجهة سياحية ومجالا حضريا واعدا.
كشف بدر الضحاك، الأمين العام ، عن تفاصيل صادمة: “الوضع تجاوز أزمة تدبير، وأصبح تهديدا مباشرا لصحة السكان… هناك أطفال يتنفسون الغازات السامة، وشيوخ يعيشون وسط حشرات متكاثرة، ولا أحد يحرك ساكنا”.
مجلس صامت… ومواطنون بوزنيقة يحترقون
اللافت في كل هذا، هو الصمت الرسمي، الذي وصفه المرصد بـ”المحير والمستهتر”. صمت جعل من شكاوى المواطنين أوراقا مهملة في أرشيف المجلس الجماعي، وأحال مطالب الساكنة إلى مجرد أصداء في الفراغ. لا مخطط استباقي، لا تدخلات ميدانية، لا مساءلة لأحد.
فبعد انتهاء عقد الشركة المفوض لها تدبير القطاع، دخلت المدينة في فراغ إداري قاتل، زاده سوءا لجوء المجلس إلى صفقة استثنائية مؤقتة، لم تنجح إلا في تعميق الأزمة، وتحويل الأحياء إلى “نقاط سوداء” على خريطة المدينة، أبرزها “الرياض” و”السلام” و”غيثة”، التي باتت مطارح مفتوحة فوق أعين الجميع.
المشكلة، كما يراها الضحاك، لم تعد تقنية ولا ظرفية، بل أخلاقية وسياسية بالأساس. فحين تتحول البيئة إلى ضحية لتجاذبات داخلية وحسابات ضيقة، يفقد القرار المحلي معناه، ويتحول المواطن إلى رهينة. “الكرامة لا تؤجل، والبيئة ليست حقل تجارب”،.. يختم الضحاك، مضيفا أن الحل يكمن في ربط المسؤولية بالمحاسبة، لا بالمزايدة الإعلامية.