في كواليس السياسة الدولية، حيث لا يقال أكثر مما يعلن، برزت مؤخرا خطوة دبلوماسية باكستانية أثارت الانتباه داخل الأوساط السياسية المغربية. فقد كشف مصدر رفيع أن إسلام آباد أبلغت الرباط، قبل ساعات من انعقاد اجتماع مجلس الأمن الأخير، بقرارها الامتناع عن التصويت بشأن القرار المرتبط بقضية الصحراء المغربية، في موقف وصفه المراقبون بأنه “محسوب بدقة ومشحون بالحذر الاستراتيجي”.
وبحسب المصدر ذاته، فإن باكستان شددت في اتصالات مغلقة على أن موقفها ليس ضد المغرب، بل يعكس رؤيتها الخاصة لقضية كشمير، التي تعتبرها جوهر سياستها الخارجية. فبالنسبة لإسلام آباد، مبدأ الحكم الذاتي الذي تطرحه بعض الدول كحل لقضايا تقرير المصير، تحول في نظرها إلى أداة سياسية تستخدم لتقييد حقوق الشعوب، وهو ما تعتبره يتعارض مع نضالها الطويل من أجل كشمير.
وأوضحت الدبلوماسية الباكستانية للمغرب أن أي دعم صريح لمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء قد يستغل من طرف الهند كـ”سابقة” تضعف مطالب الشعب الكشميري، خاصة بعد قرار نيودلهي سنة 2019 بإلغاء الوضع الخاص لإقليم جامو وكشمير. من هنا، جاء الامتناع عن التصويت كخط توازن بين تفادي إحراج المغرب وعدم منح الهند فرصة لتشويه موقف باكستان الدولي.
ورغم هذا التباين الظرفي، نفت مصادر مغربية وجود أي توتر حقيقي بين البلدين، مؤكدة أن الحوار مستمر وأن الرباط تتفهم خصوصية الموقف الباكستاني. فالمغرب، بحسب المصادر، لا يسعى إلى فرض مواقف على أي طرف، بل يطلب فقط احترام ثوابته الوطنية ومبدأ الحياد الإيجابي من شركائه.
ويعتبر هذا التطور امتحانا جديدا للعلاقات المغربية الباكستانية، التي ظلت لعقود تقوم على الاحترام المتبادل والتنسيق في عدد من القضايا الإسلامية. إلا أن التقارب المغربي-الهندي في السنوات الأخيرة ألقى بظلاله على هذا التفاهم التقليدي، ليضع الطرفين أمام معادلة دقيقة: الصحراء بالنسبة للمغرب قضية وجودية لا تقايض، وكشمير بالنسبة لباكستان قضية مصيرية لا تساوم.
في النهاية، يبرز هذا الملف كمثال جديد على تعقيدات الجغرافيا السياسية في العالم الإسلامي، حيث تتقاطع المصالح دون أن تتصادم بالضرورة، وحيث تبقى لغة التوازن الدبلوماسي هي الأداة الأذكى للحفاظ على الجسور دون الانحناء أمام العواصف.


