تتسارع الخطى نحو تشويش منظم يستهدف موانئ المغرب الاستراتيجية، وفي طليعتها ميناء طنجة المتوسط، بوصفها بوابات عبور اقتصادي دولي تثير قلق خصوم المملكة.
في الفترة الأخيرة، تكررت الإشارات المقلقة إلى حملات دعائية موجهة، تتخذ طابعا إعلاميا وشعبيا، لكنها تنطوي على خلفيات اقتصادية وجيوسياسية عميقة، لا سيما في لحظة إطلاق خط بحري جديد بين الجزائر ودول حليفة لها، يروج له كبديل لموانئ المغرب.
ميناء طنجة المتوسط، الذي بات رقما صعبا في معادلة الشحن العالمي، لم يكن مجرد مشروع بنية تحتية، بل تحول إلى ركيزة سيادية في المنظومة الاقتصادية الوطنية. فبحسب تقارير اقتصادية غربية، تمكن الميناء من تجاوز موانئ إفريقية عديدة، ليصنف ضمن الأفضل عالميا في حركة الحاويات، وجذب شركات عملاقة مثل “ميرسك” الدنماركية التي اختارته كمركز عمليات إقليمي بعد انسحابها من بيئات مضطربة كإيران.
خلفيات اقتصادية وجيوسياسية للحملات الدعائية؟
غير أن هذا النجاح أثار حفيظة أطراف إقليمية، وجعل من الميناء هدفا لهجمات رمزية تتخذ من مواقع التواصل والإعلام منصة، ومن بعض الأصوات الداخلية أداة ترويج لخطاب التشكيك. الخطير في الأمر، أن بعض هذه الدعوات يتم تسويقها تحت يافطة “حرية التعبير”، في حين أنها تمارس بشكل مواز لتحركات اقتصادية تسعى لخلق بدائل مغاربية تنافس المغرب، وسط محاولات للتأثير في قرارات الشركات الدولية.
الواضح أن هناك جهات لا تتحمل صعود المغرب كمركز لوجستي دولي، وتخشى أن تحسم المعركة لصالح الرباط في معادلة التجارة البحرية بالمتوسط وغرب إفريقيا. كما أن تزامن الحملات مع مشروع الخط البحري الجزائري الجديد ليس صدفة، بل مؤشر على رغبة دفينة لإعادة رسم خارطة النفوذ في المنطقة.
إقرأ أيضا: ميرسك تنفي مزاعم شحن أسلحة لإسرائيل عبر ميناء طنجة
السؤال الذي يطرح بإلحاح: كيف يمكن لبعض الأصوات المحلية أن تشتبك – عن قصد أو بغير قصد – مع هذه الموجات،.. وتشارك في تعكير صورة الاستثمار الوطني؟ وهل يعقل أن تظل هذه الخطابات تمر دون محاسبة،.. في ظل الإطار الدستوري الذي يلزم الجميع بحماية الأمن الاقتصادي كجزء من السيادة الوطنية؟
الدولة اليوم مطالبة بوضوح بإعمال القانون، لا فقط عبر الرد السياسي،.. بل بتكريس وعي وطني بأن أمن الاقتصاد ليس موضوعا هامشيا،.. بل هو ملف استراتيجي يجب الدفاع عنه بقدر ما يدافع عن حدود الوطن. فالمعركة لم تعد فقط بالرصاص،.. بل بالأرقام والصورة والرسائل العابرة للقارات.
ختاما، المغرب لم يصل إلى ما هو عليه صدفة، بل عبر رؤية ملكية واضحة واستثمارات هيكلية متراكمة. لكن الحفاظ على هذه المكتسبات رهين بيقظة مؤسساته، وحذر إعلامه،.. ووعي شعبه بأن كل محاولة لضرب الموانئ هي ضربة لأمنه القومي بلغة ناعمة،.. لكنها لا تقل خطورة عن المدافع.