كشفت صحيفة إلباييس الإسبانية عن قفزة غير مسبوقة في واردات إسبانيا من الديزل القادم من المغرب، حيث استقبلت الموانئ الإسبانية خلال شهري مارس وأبريل من سنة 2025 نحو 123 ألف طن من هذا الوقود، أي ما يفوق ما تم استيراده خلال أربع سنوات كاملة بين 2019 و2023، عندما لم يكن المغرب يصدر أي لتر واحد من هذه المادة الحيوية إلى جاره الشمالي.
هذه القفزة أثارت تساؤلات حادة في الأوساط الاقتصادية والسياسية بإسبانيا، لا سيما في ظل شبهات قوية حول أصل هذا الديزل. فحسب مصادر صناعية نقلت عنها الصحيفة، هناك شكوك متزايدة بأن قسما من هذه الكميات مصدره روسيا، البلد الخاضع لعقوبات أوروبية منذ غزو أوكرانيا في فبراير 2022.
المغرب يشتري من روسيا… ويصدر إلى أوروبا
بيانات منصة Vortexa المتخصصة في تتبع حركة السفن، تؤكد استمرار المغرب في شراء الديزل الروسي بكميات كبيرة. ففي الأربعة أشهر الأولى من سنة 2025، استوردت المملكة أكثر من مليون طن من هذا الوقود، وهو ما يمثل ربع وارداتها، بعدما بلغ حجم المشتريات سنة 2023 ما يقارب 1.62 مليون طن.
ورغم غياب قدرات التكرير في المغرب منذ إغلاق مصفاة “لاسامير” سنة 2016، فإن المملكة تواصل استيراد هذه الكميات الضخمة، وهو ما يفتح الباب أمام فرضية وجود عمليات “تحايل قانوني” عبر خلط الوقود الروسي بمنتجات أخرى وإعادة تصديره إلى أوروبا على أنه مغربي المنشأ، دون إمكانية التحقق من تركيبته الحقيقية.
تحقيقات ومخاوف في مدريد
وزارة الانتقال البيئي الإسبانية فتحت منذ السنة الماضية تحقيقا حول دخول أولى شحنات الديزل من ميناء طنجة، لكنها فشلت في تحديد مصدر المادة، بالنظر إلى صعوبة تمييز منشأ الديزل تقنيا، على عكس النفط الخام.
هذه الشبهات دفعت السلطات الإسبانية إلى إطلاق ما سمي بتحقيق “مافيا الديزل”، والذي بلغت قيمة التهريب فيه 1.9 مليار يورو، وفق ما أوردته إذاعة كادينا سير. التحقيق يشير إلى أن شبكات واسعة كانت تستخدم المغرب وتركيا كبلدين وسيطين لإخفاء الأصل الروسي أو الإيراني أو السوري للوقود، من خلال تغيير مسار التكرير على الورق.
رؤساء كبرى شركات الطاقة في إسبانيا، مثل Repsol وExolum، لم يخفوا امتعاضهم من الوضع. ففي فبراير 2024، صرح الرئيس التنفيذي لريپسول بأن دخول الديزل الروسي إلى السوق الأوروبية عبر أطراف ثالثة يقوض القدرة التنافسية للمصافي الإسبانية، ويهدد مستقبل آلاف العمال في مدن صناعية مثل قادس، بلباو، وقرطاجنة.
كما أشار إلى أن المصافي الإسبانية تقوم بجهود ضخمة نحو إزالة الكربون، ما يجعل منافسة المنتجات الروسية الرخيصة خطرا على استراتيجية الانتقال الطاقي.
هل يحمي المغرب روسيا اقتصاديا؟
رغم العقوبات الأوروبية، يبدو أن الاقتصاد الروسي لا يزال صامدا، حيث سجل نموا بنسبة 4.1% سنة 2024، متفوقا على الولايات المتحدة ومنطقة اليورو. هذا الصمود يعود في جزء منه إلى استمرار تدفقات العائدات النفطية من صادرات إلى دول مثل المغرب والهند والصين، رغم محاولات العزل الغربي.
ولأن الديزل يتميز بتجانس كبير في مواصفاته الفيزيائية، يصعب التمييز بين مصادره، مما يمنح هامش مناورة للفاعلين في السوق السوداء أو أولئك الذين يبحثون عن ثغرات قانونية في تجارة الطاقة العالمية.