أثار قرار المجلس العلمي الأعلى الرافض لاعتماد تحليل الحمض النووي (DNA) لإثبات النسب جدلا واسعا في الأوساط العلمية والاجتماعية بالمغرب. يأتي هذا القرار في وقت تتجه فيه أغلب الأنظمة القانونية العالمية إلى تبني الوسائل العلمية الحديثة لإثبات النسب وحسم النزاعات العائلية.
في هذا السياق، عبر الأستاذ الجامعي عبد اللطيف أكنوش عن استغرابه من التمسك بالقاعدة الفقهية التقليدية “الولد للفراش” رغم توفر وسائل علمية حديثة تثبت النسب بدقة متناهية. وفي تعليق له على هذا القرار، قال: “ملي توضعات قاعدة الولد للفراش، كانت عادية بالنظر إلى انعدام وسائل إثبات البنوة. أما اليوم، وقد اكتشف الإنسان طرقا حديثة لإثبات البنوة، لا أرى مانعا من إسقاط القاعدة الفقهية المؤسسة لإثباتها.”
وأضاف أكنوش أن القواعد الفقهية، وفقا للمنهجية الإسلامية نفسها، تتغير بزوال أسبابها وعللها. “انتفاء وزوال أسباب وعلل القاعدة الفقهية يقضي بزوالها وتغييرها”، مشددا على أن التحليل الجيني يمثل أداة علمية دقيقة تستحق الاعتراف بها في النظام التشريعي المغربي.
قرار رفض اعتماد الحمض النووي يثير تساؤلات حول قدرة المنظومة الفقهية على التكيف مع المستجدات العلمية. الحجج الرافضة تستند إلى أن القاعدة “الولد للفراش” تستمد قوتها من استقرار النسب وحماية الأسرة من الشكوك. غير أن هذه الحجج تواجه انتقادات واسعة،.. فالتطور العلمي يقدم حلولا عملية وموضوعية لتجنب النزاعات دون المساس باستقرار الأسرة.
يقترح أكنوش أن يتم اعتماد تحليل الحمض النووي على أساس التوافق والتراضي بين الأطراف،.. ليصبح أداة مكملة للقاعدة القانونية، بدل أن يكون بديلا عنها. “لتكن الاختبارات بالحمض النووي بالاتفاق والتراضي والتعاقد أمام شاهدي عدل،.. ويصبح عقدا مكملا للقاعدة القانونية التي وضعها المشرع”، يقول أكنوش.
يقول مراقبين إن رفض اعتماد الحمض النووي لإثبات النسب يعكس إشكالية أعمق تتعلق ببطء تحديث القوانين العائلية لمواكبة التحولات المجتمعية والعلمية. وفي ظل التحديات المتزايدة التي يواجهها القضاء المغربي في قضايا النسب،.. يصبح من الضروري تبني مقاربة متوازنة تجمع بين احترام المبادئ الفقهية والاستفادة من الأدوات العلمية لضمان العدالة وحماية حقوق الأطفال والأسرة.