قد لا يخطر على البال أن الشيهم المتوج (Hystrix cristata)، ذلك الحيوان كبير الحجم ذو المظهر الغريب، ينتمي في الأصل إلى فصيلة القوارض (Rodentia). لكن النظرة المتفحصة لسماته التشريحية تؤكد انتماءه لجنس الجرذان، حيث يمتلك قواطع حادة ومتطورة تكيفت بشكل مثالي لعملية القرض، وهي السمة التي منحت هذه الفصيلة اسمها. لكن الميزة الأغرب لهذا الكائن تكمن في أطرافه الأمامية التي تشبه أيدي الرئيسيات، إذ تسمح له بترتيب إبهامه ومخالبه المسطحة باستخدامها في مناولة الطعام والأشياء، وهو مثال بارز على “التطور المتقارب” الذي منحه ميزة تطورية واضحة.
منظومة دفاع “قاتلة” ضد الأسود والفهود
السمة الأكثر لفتا للانتباه لدى الشيهم المتوج هي بلا شك أشواكه، التي تغطي جزءا كبيرا من جسده وتعد بمثابة أسلحة فتاكة يستخدمها ببراعة ضد المفترسات. هذه الأشواك، التي ليست سوى شعر معدل، تحمل نمطا مميزا بخطوط سوداء وبيضاء شبيهة بحمار الوحش، لتمثل تحذيرا واضحا للخطر.
في حالة الاسترخاء، تكون الأشواك موازية لجسده، لكن ما إن يشعر بالتهديد حتى تطلق عضلات خاصة الأشواك في جميع الاتجاهات، ما يزيد من حجمه الكلي بشكل هائل، بينما تصدر أشواك ذيله صوتا مميزا أشبه بالخشخشة لإرهاب خصومه. ولا يقتصر دفاعه على ذلك، بل إنه يحرك الأشواك بحدة وقد يتسبب في انفصال بعضها ليصيب المفترس بجروح مؤلمة، قد تؤدي غالبا إلى التهابات خطيرة أو حتى الموت. هذا النظام الدفاعي النشط والمتقن هو ما سمح لهذا الحيوان بالنجاة بنجاح في مناطق أفريقيا التي تتقاسمها مع مفترسات كبيرة كالأسود والفهود.
ويختلف دفاع الشيهم، الذي يمكن أن يصل وزنه إلى 15 كيلوغراما، عن دفاع “قنفذ شمال أفريقيا” الأصغر حجما، الذي لا يتجاوز وزنه 900 غرام، والذي يعتمد على الدفاع السلبي بالانكماش وتحويل جسمه إلى كرة أشواك.
لغز الانتشار التاريخي في أوروبا
ما يثير الفضول حول الشيهم المتوج هو انتشاره الغريب الذي يجعله يحمل أسماء مثل “الشيهم الأوروبي” و “الشيهم الأفريقي”. فهو يوجد في مناطق واسعة من أفريقيا (شمال وجنوب الصحراء)، لكنه يوجد أيضا في أوروبا، تحديدا في صقلية وشبه الجزيرة الإيطالية وصولا إلى البلقان.
ظل أصل وجوده الأوروبي محل نقاش لفترة طويلة. فبعد دراسات مستفيضة، اتضح أن الشيهم الذي سكن أوروبا قبل العصر الجليدي كان سلالات منقرضة مختلفة (مثل Hystrix primigenia)، وأن الشيهم الذي يسكن أوروبا حاليا (Hystrix cristata) قد تم إدخاله من أفريقيا لأسباب تتعلق بالصيد. وتؤكد الدراسات الحديثة أن إدخاله تم في العصور التاريخية، على الأرجح بين القرنين الحادي عشر والثالث عشر، وقد تكيف تماما مع البيئات الأوروبية المتنوعة.
كان للشيهم المتوج حضور سابق في مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، ضمن نطاقه الطبيعي الأفريقي. لكن، كانت هذه الحيوانات من بين الأنواع التي اختفت من مليلية بعد بناء السياج الحدودي، الذي أعاق حركة الثدييات المتوسطة الحجم. وقد أشار خبراء إلى أن كلاب الصيد تمثل أحد أكبر التهديدات لها.
على الرغم من هذه النكسات المؤسفة، والتي وثقت بمشاهد مأساوية لاصطياد آخر زوج من الشياهيم في منطقة تاكضيرت (Tres Forcas) بمساعدة كلاب الصيد، ظهر ضوء أمل إيجابي: فقد سن المغرب تشريعات لحماية الشيهم المتوج في جميع أنحاء ترابه لمنع انقراضه. ويجري حاليا وفقا رـ “ريف360” إعادة إدخال بعض العينات في أماكن كان قد اختفى منها سابقا. ورغم أن الأوان قد فات على شياهيم تاكضيرت، إلا أن هذا الإجراء يمثل بصيص أمل لأقرانها التي لا تزال تعيش في مناطق مثل جروف جبل كوروكو بالناظور.


