الأكثر مشاهدة

“كازا” بين الثراء والفقر المدقع… حين يسكن المهمشون قصور الأثرياء المهجورة

في قلب الدار البيضاء، المدينة التي لا تنام على ضجيج الطموحات، يتنامى مشهد لا يقل صخبا: أناس بلا مأوى، يسكنون ما تبقى من الجدران الصامتة في فيلات مهجورة ومبانٍ نسيها أصحابها. ظاهرة صارت تؤرق البيضاويين، وتكشف وجها خفيا من التناقضات الاجتماعية التي تخنق العاصمة الاقتصادية.

في أحياء راقية مثل المعاريف وبالمير وعين السبع وروش نوار، يجد المارة أنفسهم أمام مشاهد مألوفة: بطانيات مرقعة على نوافذ مقفلة، نار صغيرة تشتعل خلف أسوار فيلا فارهة، ووجوه أنهكها البرد والجوع. السكان، من جهتهم، يتحدثون عن إحساس دائم بعدم الأمان، خصوصا بعدما تحولت بعض هذه الملاجئ إلى بؤر لممارسات مقلقة، كان آخرها اندلاع حريق ليلي في حديقة فيلا مهجورة بحي بالمير، عقب شجار عنيف بين من اتخذوها مسكنا مؤقتا.

الأزمة تفاقمت أكثر بعد هدم مركز تجاري قرب مجمع محمد الزفزاف بالمعاريف، كان يشكل ملاذا لعشرات الأشخاص في وضعية الشارع. ومنذ ذلك الحين، توزع هؤلاء بين الأزقة والبيوت المتروكة، بحثا عن ركن يقيهم قسوة الليل.

- Ad -

هند العيدي، رئيسة جمعية “جود”، تصف المشهد بكلمات موجعة: «العيش في الشارع بالبيضاء صار واقعا مؤلما. هناك رجال ونساء وشباب وحتى أطفال ولدوا في الشارع ولم يعرفوا غيره. الأكل والنوم والاستحمام صاروا من الكماليات». وتضيف بأسى أن هؤلاء لا يطلبون الكثير، فقط فرصة لاستعادة كرامتهم ومكانهم في المجتمع.

لكن جمعيات الإغاثة تواجه واقعا أكثر قسوة: نقص في الملاجئ، ضعف في التنسيق، وغياب الدعم المالي الكافي. “جود” أعدت مشاريع جاهزة لتوفير مآو لائقة ومراكز إدماج وتكوين، غير أن غياب التمويل يجعلها مجرد أحلام مؤجلة.

من الناحية القانونية، يوضح الخبير أشرف سيم تملوشت أن السلطات لا تستطيع التدخل إلا بأمر من النيابة العامة أو في حالة التلبس، إذ يتيح القانون للمالك اللجوء إلى القضاء عبر مسطرة طويلة ومعقدة قد تمتد لأشهر، تبدأ بمعاينة مفوض قضائي وتنتهي بتنفيذ الإفراغ بالقوة العمومية.

لكن هل الحل في الإخلاء؟ العيدي ترى أن طرد هؤلاء دون بديل هو “ترحيل للمشكلة لا حل لها”، وتقترح استغلال المباني العامة المهجورة وتحويلها إلى مراكز إيواء مؤقتة بإشراف السلطات المحلية، مع دعم اجتماعي وصحي ومهني. «تحرير الفضاء العام لا يكون بطرد الناس، بل بإعطائهم مكانا كريما فيه»، تختم حديثها.

بين القصور الفارغة وأحلام من لا سقف لهم، تقف الدار البيضاء أمام سؤال كبير: هل تستطيع مدينة المال والأعمال أن تمنح الفقراء حقا بسيطا في المأوى؟

مقالات ذات صلة