فتحت الحكومة المغربية، من خلال وزارة الاقتصاد والمالية، ورشة جديدة لتأمين مستقبل المعاملات الرقمية في المملكة، بعدما أعلنت الوزيرة نادية فتاح العلوي، خلال فعاليات النسخة 11 من “ملتقى الدار البيضاء للتأمين”، أن العمل جار على تطوير عرض تأمين شامل ضد الأخطار السيبرانية، في وقت تصاعدت فيه الهجمات الرقمية على المؤسسات، وآخرها قرصنة المعطيات الحساسة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
وأكدت المسؤولة الحكومية أن هذا التوجه يأتي في سياق عالمي مقلق، حيث أن 82 في المائة من كبريات شركات التأمين العالمية تعرضت لهجمات “فدية” خلال سنة 2022. وأضافت أن المغرب لم يقف مكتوف اليدين، بل بادر إلى سن قانون 20-05 المتعلق بالأمن السيبراني، إلى جانب إعداد توجيهات وطنية لحماية أنظمة المعلومات، بغرض خلق بيئة ثقة تعامل فيها البيانات باعتبارها رأسمالا استراتيجيا لا ثغرة أمنية.
واستنادا إلى نادية فتاح، فإن التحولات التكنولوجية الهائلة، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي، تمثل فرصة غير مسبوقة أمام قطاع التأمين، حيث أصبح بالإمكان أتمتة الاشتراكات، والكشف المبكر عن عمليات الاحتيال، وتخصيص العروض حسب الملفات الشخصية، بل والتنبؤ بالمخاطر قبل حدوثها.
روبوتات الذكاء الاصطناعي تقلص المهام اليدوية بـ 70% في شركات التأمين الأمريكية
وأوضحت الوزيرة أن بعض شركات التأمين في الولايات المتحدة نجحت في تقليص المهام اليدوية بنسبة 70 في المائة بفضل روبوتات الذكاء الاصطناعي، بينما مكنت هذه التكنولوجيا القارة الإفريقية من إيصال خدمات التأمين إلى مناطق نائية، كما هو الحال في كينيا التي أحدثت ثورة في التأمين الصحي عبر الهاتف المحمول.
وأبرزت الوزيرة أيضا أن التأمين لم يعد مجرد تعويض مالي، بل أصبح أداة استراتيجية في مواجهة الكوارث الطبيعية المتزايدة مثل الجفاف والفيضانات والزلازل، مشيرة إلى أن تقنيات مثل الأقمار الصناعية والطائرات بدون طيار وإنترنت الأشياء تسمح اليوم بمراقبة المخاطر وتسعيرها بدقة غير مسبوقة.
ومن أبرز المستجدات التي توقفت عندها فتاح، بروز التأمين “البارامتري”، وهو نموذج تعويضي تلقائي يفعل بمجرد بلوغ حادث معين عتبة محددة سلفا، ما يشكل فرصة ذهبية للمزارعين والحرفيين والمقاولات الصغيرة والمتوسطة التي تحتاج إلى استجابة سريعة بعد كل صدمة.
لكن رغم هذه الآفاق الواعدة، حذرت المسؤولة الحكومية من التحديات المصاحبة، مشيرة إلى أن تبني هذه الابتكارات يتطلب استثمارات ضخمة، وتحديث الكفاءات، وتكييف الأطر القانونية، مع التركيز على حماية البيانات في ظل توسع المنصات الرقمية والمستشعرات الذكية.
ولم تغفل فتاح ضرورة تحقيق التوازن بين تخصيص العروض وتأمين الشمول، قائلة إن الذكاء الاصطناعي يمكنه استهداف الملفات بدقة، لكن يجب الحذر من إقصاء الفئات الهشة من منظومة التأمين.
وفي الختام، نوهت الوزيرة بالحضور الإفريقي اللافت لهذه الدورة من “روندي-فوس الدار البيضاء”، معربة عن اعتزازها بتكريم دولة غانا التي تجسد بحسب قولها دينامية الابتكار والتكامل الإقليمي الذي يحتاجه القارة الإفريقية.