لم تدم فصول “السرقة المفبركة” التي هزت مدينة الجديدة طويلا، بعدما تمكنت المصلحة الإقليمية للشرطة القضائية من تفكيك خيوطها بدقة، تحت إشراف المراقب العام رمحان مصطفى، لتكشف أن ما بدا في ظاهره جريمة سطو خطيرة لم يكن سوى سيناريو وهمي دبر بإحكام للاستيلاء على مبلغ 50 ألف درهم.
ففي تفاصيل القضية التي تعود ليوم الجمعة 17 أكتوبر 2025، تقدم سائق شاحنة نفعية ومساعده إلى مركز الدرك الملكي بزاوية سيدي إسماعيل، زاعمين أنهما تعرضا لاعتداء من طرف عصابة مسلحة مؤلفة من ستة ملثمين، قالوا إنهم اعترضوا سبيلهما على الطريق الإقليمية رقم 3416 الرابطة بين سيدي إسماعيل وأولاد عيسى، بعد مغادرتهما الطريق السيار قادمين من الدار البيضاء ومتجهين نحو مراكش.
وبحسب روايتهما المفترضة، فإن أفراد العصابة كانوا على متن سيارة سوداء من نوع “كولف 4”، أجبروا الشاحنة على التوقف، ثم رشقوا زجاجها بالحجارة وسرقوا منها المبلغ المالي المذكور، قبل أن يلوذوا بالفرار بسرعة جنونية.
لكن المحققين لم يقتنعوا طويلا بتلك القصة “الدرامية”، إذ لاحظوا تناقضات واضحة في أقوال السائق ومساعده، وغياب أي علامات للعنف على جسديهما، باستثناء جرح بسيط في إصبع السائق، ما دفعهم إلى إعادة تمحيص تفاصيل البلاغ والانتقال الميداني إلى موقع الجريمة المزعومة، حيث لم يعثروا على أي أثر لعملية السرقة.
التحقيقات الدقيقة قادت إلى اكتشاف المفاجأة الكبرى: أثناء تفتيش الشاحنة عثر داخل حمولة الحبال على كيس بلاستيكي يحتوي على المبلغ المالي “المسروق”، ما وضع المبلغين في مأزق حقيقي انتهى باعترافهما الكامل بتلفيق القصة. فقد خططا، وفق التحقيقات، لحبك سيناريو محكم يوهم الأمن بسرقة مزعومة تمكنهما من الاحتفاظ بالمبلغ دون مساءلة.
وبتعليمات من النيابة العامة المختصة لدى محكمة الاستئناف بالجديدة، تم وضع المتهمين رهن الحراسة النظرية، ومتابعتهما بتهم التبليغ عن جريمة وهمية، تضليل العدالة، الوشاية الكاذبة، وخيانة الأمانة.
بهذا، طوت شرطة الجديدة فصلا جديدا من قصص التحايل التي تستغل ثقة المؤسسات الأمنية، مؤكدة أن الحنكة الميدانية للمحققين كانت كفيلة بكشف الكذب، وتحويل “ضحيتين مزعومتين” إلى فاعلين رئيسيين في جريمة مركبة لم تصمد أمام منطق التحقيق.


