الأكثر مشاهدة

“خلص بالكاش ولا سير فحالك”.. لماذا يتهرب التجار المغاربة من الدفع الإلكتروني؟

رغم تسارع رقمنة الاقتصاد العالمي، لا يزال المغرب متأخرا في تعميم ثقافة الدفع الإلكتروني، حيث تفرض الأوراق النقدية نفسها كوسيلة شبه وحيدة لتسوية المعاملات اليومية، حتى داخل مطاعم فاخرة ومرافق سياحية يفترض أن تكون في طليعة التغيير. هذه المفارقة دفعت العديد من الزوار الأجانب إلى التعبير عن امتعاضهم من الوضع، في وقت تبذل فيه الدولة جهودا متفرقة لإقناع التجار وأرباب المحلات بجدوى الانخراط في المنظومة الرقمية.

ففي كثير من الحالات، يعمد بعض أصحاب المطاعم والمحلات التجارية، حتى في المدن الكبرى، إلى التذرع بأعذار واهية كتعطل أجهزة الدفع أو “عدم توفر الشبكة”، فقط لرفض استخدام البطاقة البنكية. الحقيقة التي يصعب تجاهلها، بحسب مهنيين ومراقبين، هي أن عددا مهما من هؤلاء يرفضون الدفع الإلكتروني بشكل متعمد هروبا من أعين الضرائب، في اقتصاد ما زال الجزء غير المهيكل منه مهيمنا على معاملات السوق.

دراسة حديثة أجرتها شركة “ماستركارد” كشفت أن 77 في المائة من المقاولات الصغيرة والمتوسطة بالمغرب لا تعتمد أنظمة الدفع الرقمي رغم إدراكها لمنافعها. وفي الوقت الذي ترتفع فيه نسبة التغطية بالأنترنت إلى أكثر من 90 بالمائة، تبقى نسبة الاعتماد على الأداء الإلكتروني لا تتجاوز 17 في المائة من مجموع السكان البالغين، حسب أرقام البنك الدولي، ما يكشف عن فجوة عميقة بين البنية التحتية التقنية والواقع العملي.

- Ad -

سياح مغاربة وأجانب غاضبون: لا دفع إلكتروني ولا احترام للزمن الرقمي!

وضعية لا تؤثر فقط على المواطنين، بل تربك أيضا السياح الأجانب الذين يجدون أنفسهم مجبرين على سحب النقود في بلد يفتقر إلى آلات الصرف الأوتوماتيكية في مناطق كثيرة، كما لا توفر مؤسساته التجارية إمكانيات الدفع بالبطاقة أو الهاتف، مما يعطي انطباعا سلبيا عن البيئة الاقتصادية المحلية ويؤثر سلبا على ثقة الزوار.

في مقابل هذا الجمود، بذل بنك المغرب بمعية وزارة الاقتصاد عدة مجهودات لتسريع التحول الرقمي المالي، أبرزها إطلاق “قافلة الشمول المالي”، ومحاولة إدماج تجار القرب فيما سمي بـ”خدمة الأداء عبر الهاتف المحمول”، مع تقديم حوافز رمزية لتشجيعهم. إلا أن هذه المبادرات، وإن كانت إيجابية، لا ترقى إلى مستوى سياسة شمولية تفرض هذا التحول كخيار لا رجعة فيه.

اليوم، لم يعد الدفع الإلكتروني ترفا أو خيارا إضافيا، بل ضرورة اقتصادية وأداة شفافة لمحاربة التهرب الضريبي وتحفيز النمو وتحسين جودة الخدمات. غير أن استمرار التردد الرسمي في فرض إلزامية تامة لاعتماد هذه الوسائل، سيبقي الاقتصاد المغربي رهينة لعقلية نقدية قديمة، لا تواكب متطلبات اللحظة الرقمية ولا تفتح الباب أمام فرص أوسع لتحديث المعاملات وحماية حقوق المستهلكين.

في النهاية، لا يمكن الحديث عن اقتصاد رقمي في غياب منظومة دفع شفافة، متاحة، وموثوقة. والكرة اليوم في ملعب الحكومة والمؤسسات المالية لوضع خارطة طريق تخرج المغرب من زمن “خلص بالكاش” إلى فضاء مالي عصري لا يقصي أحدا.

مقالات ذات صلة