يشهد الحراك الطلابي في كليات الطب والصيدلة بالمغرب تصعيدا ملحوظا منذ يوم الخميس الماضي، حيث خرج الآلاف من الطلبة للاعتصام في مدن مختلفة مثل الدار البيضاء، طنجة، وجدة، وذلك احتجاجا على ما وصفوه بـ”التسويات غير المرضية” التي قدمتها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، والتي تتعلق أساسا بمقترحات مؤسسة الوسيط لحل الأزمة المستمرة. هذا التصعيد الجديد يأتي في وقت حساس للغاية، خاصة مع اقتراب بداية السنة الجامعية الجديدة، ما يثير قلقا بشأن احتمال إعلان سنة بيضاء.
الطلبة يصرون على رفض ما تضمنته التسوية المطروحة، حيث يتصدر مطلب الإبقاء على مدة التكوين في سبع سنوات قائمة المطالب التي تتمسك بها التنسيقيات الطلابية. مروان بكار، رئيس مجلس طلبة كلية الطب والصيدلة بوجدة، أكد في تصريحات صحفية أن الطلبة كانوا واضحين في موقفهم، مشيرا إلى أن نسبة الرفض للتسوية بلغت 80% بين صفوفهم.
خلفية الأزمة: تراكمات وانتظارات
بدأت الأزمة منذ فترة طويلة، حيث يتمحور الخلاف الأساسي حول تقليص مدة التكوين من سبع سنوات إلى ست سنوات. الوزارة ترى أن هذه الخطوة قد تساعد في تسريع وتيرة التخرج وتخفيف الضغط على النظام الصحي الذي يعاني من نقص في الأطر الطبية. لكن من جهة أخرى، يرى الطلبة أن تقليص سنوات التكوين قد يؤثر سلبا على جودة التعليم الطبي، ويحد من فرصهم في الاستعداد الجيد للعمل في المجال الطبي الذي يتطلب تكوينا شاملا ومعمقا.
إقرأ أيضا: تصعيد غير مسبوق: أزمة طلبة الطب تتفاقم
إلى جانب ذلك، هناك مطالب أخرى تتعلق بالتداريب الاستشفائية والامتحانات، حيث يطالب الطلبة بعدم اعتبار النقاط التي حصلوا عليها في الدورة العادية، نظرا لمقاطعتهم للامتحانات بسبب الأزمة، واستبدالها بدورات استثنائية. الوزارة بدورها حاولت الاستجابة لبعض هذه المطالب، من خلال الإعلان عن دورات استثنائية للامتحانات وإلغاء نقاط الصفر، إلا أن هذه الحلول لم تكن كافية لتهدئة الأوضاع.
اعتصامات وتفكيك: مشاهد من الاحتجاجات
في الدار البيضاء، كانت الاحتجاجات أكثر حدة، حيث تجمع عدد كبير من الطلبة أمام كلية الطب والصيدلة رافعين شعارات تندد بموقف الوزارة وتطالب بتحقيق مطالبهم كاملة. الاعتصام استمر لساعات طويلة، قبل أن تتدخل القوات العمومية في محاولة لتفكيك الاحتجاج. وعلى الرغم من التدخل الأمني، استمر الطلبة في ترديد شعارات ساخطة، معبرين عن رفضهم لطريقة التعامل مع الأزمة، وطالبوا بمزيد من الحوار والشفافية.
من بين الشعارات التي رددها المحتجون عبارة “واك واك على شوهة.. سليمة وقمعتوها”، في إشارة إلى التدخلات الأمنية لفض الاعتصام. هذا التدخل أسفر عن توقيف عدد من الطلبة في وقت لاحق من المساء، لكن تم إطلاق سراحهم بعد ساعات، وهو ما أثار غضبا أكبر بين الطلبة الذين اعتبروا أن الحلول الأمنية لن تكون كافية لاحتواء الأزمة.
دور جماعة العدل والإحسان: تأجيج الوضع؟
في خضم هذه الأحداث، تزايدت الاتهامات الموجهة لجماعة العدل والإحسان بتحريك المياه العكرة في هذه الأزمة،.. حيث تعتبر بعض الأطراف أن الجماعة تستغل حالة الغضب بين الطلبة لتحريضهم على التصعيد ومواصلة الاحتجاجات. هذا الاتهام ليس جديدا، فقد سبق أن وجهت للجماعة اتهامات مشابهة في أزمات طلابية سابقة، حيث يتم اتهامها بالتحريض على المقاطعات والاعتصامات لزيادة الضغط على الحكومة.
من جانب آخر، يرى مراقبون أن هذه الاتهامات قد تكون وسيلة للهروب من مسؤولية الحل،.. حيث يلقي البعض باللوم على الجماعة بدلا من الاعتراف بوجود أزمة حقيقية تتطلب معالجة جدية من طرف الحكومة. كما أن وجود دعم شعبي واسع لمطالب الطلبة يشير إلى أن الأمر يتجاوز مجرد تحريض سياسي.
استجابة الحكومة: محاولات التهدئة
في محاولة لاحتواء الأزمة،.. أعلنت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار عن عدد من الإجراءات التي تهدف إلى إعادة الأمور إلى مسارها الطبيعي في كليات الطب والصيدلة. من بين هذه الإجراءات تمكين الطلبة من اجتياز الامتحانات التي قاطعوها في دورات استثنائية،.. وإلغاء النقاط التي حصلوا عليها في الدورة العادية وتعويضها بالنقاط التي سيحصلون عليها في الدورة الاستثنائية.
كما أعلنت الوزارة عن استئناف الدراسة بالنسبة للطلبة الجدد المسجلين بالسنة الأولى ابتداء من 23 شتنبر 2024،.. بينما ستنطلق الدراسة بالنسبة لباقي المستويات في 14 أكتوبر 2024. ورغم هذه المحاولات، لا تزال هناك شكوك حول إمكانية تجاوز الأزمة بشكل كامل،.. خاصة في ظل تعنت الطلبة ورفضهم للتسويات المقترحة.
المستقبل: نحو سنة بيضاء؟
مع استمرار المقاطعة وتزايد حدة التوتر بين الطلبة والوزارة،.. تزداد المخاوف من احتمال إعلان سنة بيضاء في كليات الطب والصيدلة،.. وهو سيناريو سيكون له تداعيات كبيرة على النظام الصحي في المغرب. الطلبة يصرون على مطالبهم ويرفضون العودة إلى مقاعد الدراسة دون تحقيق جميع مطالبهم،.. في حين تسعى الوزارة جاهدة لاحتواء الوضع قبل أن يتفاقم أكثر.
الحكومة من جهتها تجد نفسها أمام تحد صعب،.. فهي ملزمة بالحفاظ على استقرار المؤسسات التعليمية وضمان استمرار التكوين الطبي،.. لكن في الوقت نفسه، يجب عليها التعامل بحذر مع مطالب الطلبة لتجنب تأجيج الأزمة أكثر.
يبقى الصراع بين طلبة كليات الطب والصيدلة ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار مفتوحا على كل الاحتمالات،.. في وقت تتزايد فيه الضغوط من مختلف الجهات لإيجاد حل سريع للأزمة. وبينما تستمر الاعتصامات والمقاطعات، يبقى السؤال الأهم: هل ستنجح الحكومة في تقديم تسوية مقنعة تنهي الاحتقان،.. أم أننا أمام شبح سنة بيضاء قد تضر بمستقبل مئات الطلبة وتزيد من تعقيد المشهد التعليمي والطبي في البلاد؟