في مشهد يعكس التخبط العميق الذي يعيشه النظام العسكري الجزائري، وجدت الدبلوماسية الجزائرية نفسها في موقف حرج عندما لجأت إلى استعداء روسيا، حليفتها التقليدية، في خطوة غير محسوبة قد تزيد من عزلتها الدولية. فقد بات النظام العسكري الجزائري يعيش تحت ضغط متزايد على الصعيدين الداخلي والخارجي، حيث تتفاقم أزماته يوماً بعد يوم.
فداخليا، تشهد الجزائر تدهورا كبيرا في الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، يترافق مع تصاعد القمع ضد الحريات، مما يعكس هشاشة النظام وفقدانه للشرعية الشعبية. أما خارجيا، فقد تلقت الدبلوماسية الجزائرية ضربات متتالية، خاصة فيما يتعلق بقضية الصحراء المغربية، التي أصبحت تشكل عبئا ثقيلا على كاهل الجنرالات. فمع تنامي الدعم الدولي لمغربية الصحراء والاعتراف المتزايد بجدية مقترح الحكم الذاتي المغربي، أصبح موقف الجزائر معزولا، وتوالت عليها خيبات الأمل، كان آخرها إعلان فنلندا دعمها لمغربية الصحراء، وقبلها فرنسا.
وسط هذا السياق المعقد، جاء رد فعل منسق البعثة الدائمة للجزائر في الأمم المتحدة، توفيق كودري،.. ليثير جدلا واسعا. ففي اجتماع أممي أمس الأربعاء، هاجم كودري روسيا بشكل غير متوقع،.. مستغلا الحملة الدولية ضد الملاكمة الجزائرية إيمان خليف، التي تستعد للمشاركة في الألعاب الأولمبية بباريس 2024. وبدلا من توجيه الانتقاد للدول التي تشن هذه الحملة،.. ركز كودري هجومه على روسيا،.. متهما إياها بخلط السياسة بالرياضة. هذه الخطوة أثارت استغراب الوفد الروسي، حيث كان من غير المتوقع أن تأتي مثل هذه الانتقادات من حليف تقليدي لموسكو.
إقرا أيضا :مصدر يكشف تفاصيل استماع الشرطة لمحمد ساجد في تحقيقات مالية
الجزائر تخاطر بعلاقاتها مع روسيا
ويبدو أن هذا الهجوم الأرعن سيزيد من تعقيد العلاقات بين الجزائر وروسيا،.. خاصة وأن الأخيرة ظلت تقليديا داعما قويا للجزائر على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية. ورغم الأخطاء المتكررة التي ارتكبها الجنرالات الجزائريون،.. بقيت موسكو تتغاضى عن هذه السلوكيات،.. لكن الهجوم الأخير قد يدفعها لإعادة النظر في علاقاتها مع الجزائر.
إن هذه الخطوة غير المدروسة تأتي في وقت حساس للغاية،.. حيث يسعى النظام العسكري الجزائري إلى تحسين صورته على الصعيد الدولي، لكنه يبدو أنه يواجه صعوبات جمة في إدارة أزماته،.. ويجد نفسه غارقا في المزيد من العزلة. فمع تصاعد الضغوط الدولية والداخلية،.. يبدو أن النظام العسكري في الجزائر يعيش أخر أيامه،.. وقد تكون هذه الخطوة ضد روسيا بداية النهاية لعهد استمر طويلا في الظل، متشبثا بشعارات أكل عليها الدهر وشرب.
تلك الدبلوماسية الجزائرية التي كانت تتباهى يوما ما بتحالفاتها الدولية، تبدو اليوم وقد فقدت بوصلة الاتجاه،.. لتصبح رهينة قرارات متهورة قد تقودها إلى نهاية غير محسوبة. فالجنرالات الذين اعتادوا على اللعب بأوراق السياسة الدولية،.. يجدون أنفسهم اليوم مكشوفين على حقيقتهم أمام العالم،.. عاجزين عن الحفاظ على حلفائهم التقليديين،.. في وقت يتزايد فيه الدعم الدولي للخصوم.