حجز المغرب موقعا متقدما على خارطة المنتديات الدولية، ليس فقط من خلال مشاركته الرفيعة في القمة العالمية لأجهزة الرقابة المالية والمحاسبة لدول مجموعة العشرين، بل أيضا من خلال انتزاع لحظة سياسية رمزية تمثلت في حضور خريطة المملكة كاملة، متضمنة أقاليمها الجنوبية، على المنصات والوثائق الرسمية طيلة أشغال القمة التي التأمت يومي 24 و25 يونيو الجاري بمدينة جوهانسبورغ بجنوب إفريقيا.
المشاركة المغربية جاءت بقيادة السيدة زينب العدوي، الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، التي ترأست وفدا رسميا مغربيا بدعوة مباشرة من المدقق العام لجنوب إفريقيا، الرئيس الحالي لدورة القمة. وتعد هذه المرة الثالثة تواليا التي يسجل فيها المغرب حضوره ضمن هذه التظاهرة الرقابية الكبرى، تأكيدا على موقعه المتصاعد داخل شبكات الشفافية الدولية.
العدوي ألقت كلمة قوية خلال الجلسة العامة للقمة، وركزت فيها على ضرورة إدماج الدول النامية، وعلى رأسها الدول الإفريقية، في قضايا التمويل العادل، التحول الرقمي، والعدالة المناخية. كما استعرضت أبرز أوراش المجلس الأعلى للحسابات في إطار المخطط الاستراتيجي (2022-2026)، لا سيما ما يتعلق بالحكامة الجيدة، مواكبة مشاريع البنية التحتية، وتأهيل الرأسمال البشري الوطني.
لكن الأهم في هذه القمة لم يكن فقط في الكلمات أو البرامج، بل في الصورة التي طبعت كل وثائق القمة، حيث ظهرت خريطة المغرب كاملة، بأقاليمه الجنوبية، سواء في العروض العامة أو اللقاءات الثنائية التي جمعت العدوي بنظرائها من السعودية، البرازيل، روسيا، مصر وتركيا، ما يشكل خطوة دبلوماسية صامتة لكنها بالغة الدلالة، خصوصًا في سياق بلد مثل جنوب إفريقيا، المعروف بمواقفه السابقة المعاكسة للموقف المغربي.
هذا الحضور المغربي المتزن، والمؤسس على الشرعية والمسؤولية الدولية، يندرج في إطار الدينامية الاستراتيجية التي أطلقها الملك محمد السادس، من أجل تعزيز السيادة الوطنية، وإعادة تموقع المملكة كمحور استقرار وتنمية في إفريقيا وخارجها.
قمة الرقابة المالية لم تكن فقط مناسبة تقنية لتبادل التجارب، بل تحولت إلى مساحة لتثبيت الحقائق الجغرافية والسياسية على أرض الواقع، حيث فرض المغرب خريطته كاملة، مدعوما برؤية إصلاحية متكاملة في مجالات الشفافية والرقابة والنجاعة التنموية.